منتدى عين الريش الباهية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى عين الريش الباهية

اخبار البلاد برامج موسوعات رياضة............الخ
 
الرئيسيةأكثر من ثلاثين أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 استعمار فلسطين وكفاح الشعب من أجل التحرر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
daoula

daoula


عدد المساهمات : 79
تاريخ التسجيل : 17/03/2011
العمر : 32
الموقع : عين الريش -حي بومرداس-

استعمار فلسطين وكفاح الشعب من أجل التحرر Empty
مُساهمةموضوع: استعمار فلسطين وكفاح الشعب من أجل التحرر   استعمار فلسطين وكفاح الشعب من أجل التحرر I_icon_minitimeالأحد مايو 08, 2011 4:43 pm



تاريخ حركة التحرر الوطني الفلسطينية على مدى ثلاثة أرباع قرن أو أكثر ـ أي منذ عهد الانتداب البريطاني ـ هو تاريخ الصراع الطبقي في فلسطين والمنطقة العربية. عندما نتحدث عن حركة التحرر الوطني الفلسطينية نحن في الواقع لا نتحدث عن حركة واحدة منسجمة، وإنما عن استراتيجيات مختلفة ومتعارضة تبنتها، ولا زالت تتبناها، القوى الطبقية والسياسية المختلفة. وعندما نتحدث عن فشل هذه الحركة في تحقيق أيٍ من آمال وطموحات الشعب الفلسطيني، فنحن بالتحديد نتحدث عاستعمار فلسطين وكفاح الشعب من أجل التحرراستعمار فلسطين وكفاح الشعب من أجل التحررن فشل استراتيجيات البرجوازية الفلسطينية والبرجوازيات العربية ـ وهي القوى التي سيطرت أغلب الوقت على حركة التحرير الفلسطينية ـ في تحقيق الاستقلال.

الفشل الذي نتحدث عنه لم يكن صدفة ولم يكن بالأساس نتيجة تآمر بسيط من جانب القادة والحكومات، وإنما كان نتيجة إفلاس القوى البرجوازية وارتباطها العميق بالاستعمار ومصالحه. وما يشير إليه هذا الفشل هو أنه في فلسطين، ربما أكثر من أي مكان آخر، يحتاج الانتصار على الإمبريالية إلى قيادة طبقية ثورية وجذرية تستطيع أن تقطع الروابط مع الأنظمة ومع الاستعمار وأن تفتح الطريق أمام النضال الجماهيري من أسفل.
أصل المسألة الفلسطينية

لأن الصهيونية حركة شديدة الرجعية، ولأن صلتها بالإمبريالية صلة حياة أو موت، فقد اعتمدت منذ نشأتها وحتى اليوم على وسائل شديدة الدموية والوحشية لخلق دولتها والحفاظ على وجودها. الصهيونية في حقيقتها لا تعدو أن تكون حركة استعمار استيطاني وفصل عنصري. وهي في ذلك شديدة الشبه بحركة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا.

منذ بداية الموجات الأولى للهجرة اليهودية وحتى تأسيس دولة إسرائيل في 1948 وما بعد ذلك، اتبعت الصهيونية سياسة عزل الاقتصاد والمجتمع اليهوديين عن مثيليهما الفلسطينيين. وقد توسع هذا الفصل العنصري كلما اكتسبت الصهيونية قوة على أرض فلسطين. وعند النقطة الفاصلة ـ عندما قررت الصهيونية أن تقيم دولتها بعد أن اقتنعت الإمبريالية تماماً بأهمية هذه الدولة لمصالحها ـ تطورت سياسة الفصل العنصري إلى نتيجتها المنطقية وهي التطهير العرقي. ففي حرب 1948 قام الصهاينة بمذابح بشعة هدفها طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم لـ "تطهير" الدولة الوليدة من الوجود الفلسطيني.

إن أهمية الحديث عن مسألة طرد الفلسطينيين وتطوراتها تنبع في الحقيقة من تأثيرها الشديد على مصير حركة التحرر الفلسطينية. فعندما طُرد الفلسطينيون من أراضيهم في 1948 هربوا إلى ذلك الجزء من فلسطين الذي لم تحتله إسرائيل وهو الضفة الغربية وقطاع غزة، وأيضاً هربوا إلى الدول عربية المجاورة (كإمارة شرق الأردن). ولكن مصير الفلسطينيين من طبقات مختلفة كان متبايناً. لم يميز الاستعمار الصهيوني بين فلسطيني غني وفلسطيني فقير عندما طرد الجميع. ولكن كبار ملاك الأراضي الفلسطينيين والبرجوازية الناشئة استطاعا ـ عن طريق تحويل ذلك الجزء من ثرواتهم القابل للتحويل إلى الدول العربية ـ أن يجدا لنفسيهما حماية وفرها المال والثروة. أما العمال والفلاحون الفقراء والمعدمون والفئات الأفقر من المهنيين وأبناء الطبقة الوسطى فلم يجدوا أمامهم إلا المخيمات التي نصبت للاجئين. لقد كان الشتات الفلسطيني كارثة قومية نزلت على كل الطبقات في فلسطين، ولكن معنى الكارثة ومضمونها اختلفا اختلافاً عميقاً بين طبقة وأخرى.

بعد الهزيمة والتهجير في 1948 أصبح واضحاً تماماً أن الانتماء الطبقي هو الذي يحدد مصير الفلسطيني الذي فقد وطنه. فمن ناحية أولى ترعرعت ونشطت البرجوازية الفلسطينية في الدول العربية المجاورة لفلسطين وحققت نجاحات وراكمت ثروات وأصبح تشابك المصالح بينها وبين الأنظمة والبرجوازيات العربية أعمق وأعمق. ومن ناحية ثانية كان الباب مفتوحاً لأعداد واسعة من المهنيين لكي يعرضوا مهاراتهم ويبيعوها لرأس المال العربي (خاصة في دول الخليج النفطية). أما عمال فلسطين وفلاحوها الفقراء فلم يجدوا مخرجاً. محصلة الاستعمار والطرد بالنسبة لهم كانت تدهوراً حاداً في أوضاعهم: فقدان الأرض، زيادة في معدلات البطالة، اضطهاد واسع من الدول المستقبلة لهم …الخ. المفارقة في هذا الوضع هي أن الخيط الواهي والوهمي الذي وحد الفلسطينيين من كل الطبقات ـ خيط الرغبة في إقامة وطن قومي مستقل ـ كان مجرد غطاء فضفاض يخفي التباين العميق في الوضع والمصالح والأهداف بين طبقة وأخرى. الجميع كانوا يتحدثون عن التحرير، بل و"الثورة الفلسطينية"، ولكن معنى هذه الألفاظ كان مختلفاً تماماً على جانبي السد الذي يفصل بين الطبقات.
إفلاس استراتيجيات المقاومة

بدأت حركة مقاومة الاستعمار في فلسطين في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين. وقتذاك كان الاستعمار يتمثل في الانتداب البريطاني، جنباً إلى جنب مع الموجات الأولى من المهاجرين الصهاينة الذين شكلوا عصابات من المستوطنين المعادين لحركة التحرر الفلسطينية. بدأت الحركة بمبادرة من الجماهير الفلسطينية المستغَلة والمقهورة في شكل إضرابات ومظاهرات ومصادمات شوارع وحركة مقاطعة للبضائع والوجود الاستعماريين. وقد وصلت الحركة إلى إحدى ذرواتها في ثورة 1936. حيث نُظم إضراب عام صاحبته مظاهرات عارمة قمعها المستعمِر بالحديد والنار.

وقد لعبت الحركة الجماهيرية مرة أخرى دوراً جوهرياً في النضال الفلسطيني من أجل التحرر في النصف الثاني من الثمانينات مع بدء الانتفاضة الفلسطينية في ديسمبر 1987. وكما حدث في الثلاثينات، كانت المبادرة في إشعال الانتفاضة للجماهير المقهورة في الأرض المحتلة. مزجت الجماهير، خلال سنوات الانتفاضة، بين أشكال متعددة للنضال بدأت من الإضرابات والمقاطعة والمظاهرات، ووصلت إلى حروب الشوارع مع قوات الاحتلال المدججة بالسلاح.

نلاحظ في هذا السياق أنه بين بداية حركة التحرر الفلسطينية وبين زمن الانتفاضة الأولى ثم ما بعدها، مر النضال الفلسطيني بمنعطفات وتقلبات متعددة كشفت عن حدود دور كل طبقة وكل قوة سياسية في المعركة ضد الاستعمار. كشفت تقلبات النضال الفلسطيني عن حقيقة أخرى مريرة وهي أن كل هزيمة للمقاومة كانت تنقل المشروع الاستعماري الصهيوني إلى مرحلة أخرى من مراحله تتميز بعنف ووحشية أكبر من سابقاتها. إن محصلة التاريخ وخبراته هي أن الحدود الضيقة للنضال الوطني ـ نعني النضال القائم على فرض تحالف بين البرجوازية الفلسطينية والبرجوازيات العربية من ناحية أولى وبين جماهير الفلسطينيين الفقراء من ناحية ثانية ـ كانت وراء كل هزيمة، وكانت أيضاً وراء الاستسلام المخزي على طاولة المفاوضات الذي رأيناه على مدى السنوات العشر الماضية.

ففي المعارك الجماهيرية الأولى في العشرينات والثلاثينات كانت الطبقات المالكة (كبار ملاك الأراضي أساساً) تسعى بكل طاقتها إلى كبح جماح حركة الجماهير واستقلالها. كان كل توسع في حركة الجماهير يقلق كبار الملاك وممثليهم السياسيين ويثير خوفهم من أن تفلت الأمور من الزمام وتتحول إلى ثورة شاملة يشنها الفقراء ليس فقط ضد الاستعمار وإنما أيضاً ضد استغلال الأغنياء والمالكين للفقراء. ولقد سعت القوى الممثلة لكبار الملاك إلى مساومة مع الاستعمار لقطع الطريق على تنامي الثورة وتوسعها، وهو ما أدى إلى الهزيمة وبالتالي إلى انتعاش المشروع الاستيطاني الصهيوني (نذكر أنه بعد ما يزيد قليلاً على عقد من هزيمة ثورة 1936 تأسست دولة إسرائيل).

ومع إعلان الدولة الصهيونية ومع نجاح سياسة التطهير العرقي التي مارستها الدولة الجديدة ضد الشعب الفلسطيني، تغيرت الظروف الموضوعية للنضال الفلسطيني. فلقد أصبح معظم الشعب في ذلك الحين مطروداً خارج حدود دولة إسرائيل. ولذلك أصبح السؤال هو "من أين وكيف تنطلق المقاومة؟" بعد فترة ركود في النضال جاءت أهم الإجابات وأكثرها أساسية في مطلع الستينات على يد حركة فتح، وهي حركة تأسست على يد مجموعة من مهنيي الطبقة الوسطى ذوي الحال الميسور. كانت إجابة فتح سهلة وبسيطة: على المقاومة أن تنطلق من الدول العربية المجاورة لإسرائيل (حينذاك كانت الضفة تحت سيطرة الأردن وغزة تحت سيطرة مصر) ، وستكون بأيدي الفلسطينيين أنفسهم وفي شكل حركة مسلحة، والهدف هو الضغط على الأنظمة العربية ودفعها لأن تقوم هي بمواجهة كبرى مع إسرائيل تتحرر نتيجة لها فلسطين. إجابة فتح كانت تقوم على مجموعة من الركائز أهمها هو "عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية".

لماذا طرحت فتح هذا الشعار المركزي ـ نقصد شعار عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية ـ وصممت عليه من البداية حتى النهاية؟ السبب يكمن في طبيعة فتح ذاتها. فهذه المنظمة كانت تعكس الآمال والطموحات السياسية للمهنيين والطلاب الميسورين من الطبقة الوسطى في إنشاء وطن قومي مستقل للفلسطينيين. هؤلاء كانوا "وطنيين"، ولكن وطنيتهم كانت أسيرة تماماً لمصالح البرجوازية. الخط الأحمر الذي رفض قادة فتح دائماً أن يتخطوه كان هو هز استقرار سلطة البرجوازيات في المنطقة. بل إن فتح سعت، بالعكس، إلى دفع تلك الأنظمة ذاتها إلى تبني القضية الفلسطينية، وتبني حركتهم مالياً وسياسياً! ولذلك اعتبرت أن أحد أهم انتصاراتها هو ما أعلنه مؤتمر القمة العربي في الرباط من أن منظمة التحرير الفلسطينية (التي تهيمن عليها فتح) هي الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين!! هذا الانتصار المزعوم كان في الحقيقة تعبيراً عن نجاح فتح في إقناع البرجوازية الفلسطينية والأنظمة العربية أنها تستطيع أن تحتوي حركة المقاومة في حدود آمنة بالنسبة لهم.

والسؤال هو: هل كان يمكن ألا تتناقض حركة حقيقية للمقاومة الفلسطينية مع الأنظمة العربية؟ التاريخ أثبت العكس. فدائماً ما كانت المقاومة الفلسطينية تمثل عنصر عدم استقرار في الدول العربية. الفقراء الفلسطينيون في المخيمات وفي الشتات عموماً لعبوا دائماً دوراً مفجراً للنضال الطبقي في الدول العربية. في دول الخليج مثلاً ـ وفي السعودية بالذات ـ كان الفلسطينيون، الذين أصبحوا في الخمسينات والستينات كتلة هامة من عمال النفط، هم قادة ومحرضو الإضرابات العمالية التي هزت العروش ودفعت الجيش إلى التدخل لإيقافها. وفي الأردن كان التجذير الذي خلقه التواجد الواسع للفلسطينيين هو السبب وراء اهتزاز عرش الملك حسين بشكل خطير على مدى شهور عام 1970. وفي لبنان كان وجود المقاومة بعد انتقالها إلى هناك عاملاً من عوامل خلق الوضع شبه الثوري في أوائل السبعينات.

لم يكن كل هذا صدفة. فدرجة تسييس الفلسطينيين عالية، ووضعيتهم في الدول العربية المضيفة لهم قائمة على الاضطهاد (لهم وضع أدنى في الحقوق والمعاملة)، والتجربة المريرة للحياة في المخيمات تؤجج روح المقاومة، والقضية الوطنية مشتعلة ومركزية. كل هذا كان معناه من وجهة نظر الأنظمة العربية أن هناك ضرورة لاحتواء الفلسطينيين، وإن لزم الأمر قمعهم. ولذلك فإن أي تنظيم سياسي للفلسطينيين في الدول العربية كان يعد خطراً رهيباً. وأي نشاط سياسي لهم، حتى ولو ضد إسرائيل فقط، كان يقابل بكل الحزم. ولعل ذلك يفسر بدرجة كبيرة لماذا كانت فتح نفسها، بالرغم من مواقفها القائمة على عدم التدخل في الشئون الداخلية للأنظمة، تتصادم مع الدول العربية من آن لآخر، خاصة عندما كانت تضطر تحت وطأة الضغط من أسفل للسير مع موجة المقاومة الشعبية.

الحكام العرب كانوا يخشون من حركة المقاومة الفلسطينية، ويرتعدون من إمكانية توسعها أو التحامها بحركة الجماهير العربية الفقيرة لتصبح قوة حقيقية وهادرة تكنس الأنظمة. وقد كان لهذا الخوف ما يبرره. فقد رأى الحكام العرب جميعاً صورة مستقبلهم ـ إذا لم يقمعوا حركة المقاومة الفلسطينية ـ في وضعية الملك حسين المتهاوية في عام 1970. ولذلك فقد كانت الأنظمة تكبح جماح المقاومة، وتستخدم القضية الفلسطينية فقط كورقة ضغط في "لعبة الأمم". ومنظمة فتح هنا كانت هي القوة السياسية الوحيدة المقبولة، وذلك بالضبط لأنها وضعت كل رهانها على الأنظمة وعلى الإمبريالية.

على أن الهوس بالأنظمة وبالتحالف بين الطبقات والخوف من الجماهير لم يكن فقط سمة مميزة أساسية لفتح، وإنما أيضاً ميز بدرجة ما القوى الأكثر جذرية. فالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهما على يسار فتح، اعتمدتا على الأنظمة التي يقال عنها أنها راديكالية في المنطقة العربية (كسوريا). هذا بالرغم من أن سوريا، فيما يخص مسألة دعم النضال الفلسطيني، لم تكن أبداً أفضل من الدول العربية الأخرى (لا ننس أن مذبحة تل الزعتر للفلسطينيين في 1976 تمت بأيدي سورية).

أما حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في فلسطين ـ وهما أهم معارضي منظمة التحرير الفلسطينية اليوم ـ فإن أيديولوجيتهما المختلفة شكلاً لا تعني اختلافاً كبيراً في المضمون. فإصرارهما على سياسة التحالف بين كل قوى (طبقات) الشعب الفلسطيني، وتذبذبهما في مواجهة الخط المهادن للسلطة الفلسطينية، شتت إمكانيات تصعيد وتعميق حركة المقاومة الفلسطينية. وبالرغم من بطولة المناضلين الإسلاميين الذين ينفذون عمليات استشهادية، إلا أن الميل للتعالي على الجماهير لدى حماس والجهاد عرقل فرص الربط بين عمليات المقاومة وبين حركة الجماهير العاملة الفلسطينية.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى

انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر 1987. وقد مثّل انطلاقها تحول كيفي في حركة النضال الفلسطيني. إذ فتح دخول الجماهير الفلسطينية العريضة إلى ساحة المعركة أفقاً جديداً لتحرير الأرض المحتلة وحل القضية التي أثبتت الأنظمة العربية والبرجوازية الفلسطينية أنهما غير قادرين على ـ ولا راغبين في ـ حلها.

لم تكن أعمال العصيان المدني التي تميزت بها الانتفاضة جديدة، بل جاءت كتطوير وتتويج لنضال متصاعد شهدته السنوات السابقة. على أن الانتفاضة تميزت عما سبقها بسمتين بارزتين: أولاً اتساع النطاق، وثانياً التنظيم من أسفل. ومن حيث النطاق فإن جموعاً هائلة من الناس ممن لم يكن النشاط السياسي جزءاً من عالمهم في السابق راحوا يشاركون في العمل النضالي على نحو أذهل قادة الاحتلال، بل وفاق توقعات أكثر أنصار الثورة الفلسطينية تفاؤلاً. فهاهم الأطفال يواجهون بالحجارة في أيديهم والأرواح البريئة في صدورهم دبابات جيش الاحتلال، وهاهم العمال الذين اعتادوا على العمل في إسرائيل و"المشي في حالهم" طلباً للرزق من أجل إطعام ذويهم يدخلون إضراباً يتوالى من شهر لآخر، وهاهن النساء يبدعن في إذكاء روح المقاومة وبناء الظروف والمؤسسات الكفيلة بتعزيز القدرة اليومية على البقاء خلال شهور الانتفاضة وسنواتها، وذلك من خلال ما أقمنه من مدارس بديلة ودور حضانة وغيرها.

إن اتساع نطاق الانتفاضة قد أربك قيادات المشروع الصهيوني على نحو غير مسبوق. فرابين مثلاً، الذي تولى وزارة الدفاع عام 1985 من أجل إخماد أعمال المقاومة التي كانت في تصاعد رغم تكثيف القمع الإسرائيلي، قد استشعر في قيام الانتفاضة واتساعها على ذلك النطاق الهائل هزيمة شخصية له. فقد وجد هذا القائد العسكري ـ المشهود له بـ"الكفاءة" في قمع الفلسطينيين والعرب ـ نفسه عاجزاً أمام صبية يقذفون جنوده بالحجارة. جاء إلى وزارة الدفاع ليحطم المقاومة فإذ به يجد نفسه مشلولاً أمام ثورة شاملة. وبعد أن كان يتهم منظمة التحرير بأنها وراء الأحداث بدأ يعترف أن الحركة انطلقت عفوياً من أسفل.

ولكن العفوية لم تظل على حالها. تطورت الانتفاضة خلال أسابيع من اندلاعها وبدأت روعة تنظيمها تظهر. نشأت اللجان المحلية من كل نوع وفي كل مكان لتنظيم كافة جوانب الحياة في ظل المواجهات البطولة اليومية مع جيش مدجج بالسلاح متمرس على الوحشية. لجان لتنظيم العمل الزراعي وأخرى لتنظيم توزيع السلع الاستهلاكية على أساس تعاوني .. لجان لتنظيم إغلاق المتاجر والمحلات وأخرى لتنسيق إضرابات العمال .. لجان تشرف على المدارس البديلة وأخرى تدعم أهالي الشهداء والمعتقلين .. الخ. ومن قلب كل هذه اللجان القاعدية خرجت القيادة الموحدة للانتفاضة التي تخرّج كوادرها من مدرسة النضال الثوري المتمثلة تحديداً في سجون إسرائيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ainrich.yoo7.com/
 
استعمار فلسطين وكفاح الشعب من أجل التحرر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» استعمار استيطاني مصري للسودان
» هجرة اليهود الى فلسطين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عين الريش الباهية :: منتدي التربية والتعليم :: قسم التاريخ-
انتقل الى: